[code

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

اللغة العربية و ضعف المسلمين في العصر الحديث



قامت كل الحضارات المرتبطة بازدهار الشعوب على أساس واحد كان و يكون هو الرابط بين النظرية و التطبيق ، فهو قناة الاتصال بين عناصر بناء أي حضارة في الكون. فاللغة لها أثرها البالغ في نمو حضارة شعبها و رقيّهم ، فهي الرابط الذي يربط أي نظرية بتطبيقاتها فكلّما كان هذا الرابط قوياً شديداً صلباً كان الخلل فيه و الدمار معدوما ، وكلما كانت قناة الاتصال التي يتم من خلالها التراسل و الاستقبال للمعلومة سليمة كان الاتصال بين العناصر المكونة للمجتمع و الحضارة سليما.(1)
ولهذا تستطيع العبارة أن تفسر حالها بأن اللغة هي أساس لقيام أي حضارة و رقي أي شعب ، و للمقولة السابقة تم استعراض اللغة العربية كلغة للحضارات و المستقبل المشرق و الماضي المبهر ، فما تحتويه هذه اللغة من قوة و متانة وصلابة في المتن و جمال في الفن و سلاسة في التحكم و الإخراج و إبداع فني في الخطاب يجعل منها لغة عصرية حضارية و لإثبات هذا من صلب الموضوع و المكان ، يقول العالم و المؤرخ و الفيلسوف الفرنسي ’’ كوستاف لوبون ‘‘ : ’’ إن اللغة العربية أصبحت اللغة العالمية في جميع الأقطار التي دخلها العرب حيث خلفت تماماً اللهجات التي كانت مستعملة في تلك البلاد كالسريانية و اليونانية و القبطية و البربرية .. ووقع نفس الحادث كذلك في فارس مدة طويلة ، ورغم انبعاث الفارسية بقيت اللغة العربية لغة جميع المثقفين ‘‘ (2) و قد أكّد أيضاً ’’ بأن الفرس يدرسون اليوم – أي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي – العلوم و الدينيات و التاريخ في مصنفات عربية ‘‘(3) وعند وصف اللغة على لسان ’’ فيكتور بيرار ‘‘ في القرن الرابع الهجري حيث يقول : ’’ بأنها أغنى و أسطع و أقوى و أرق و أمكن و أكثر اللهجات الإنسانية مرونة و روعه ، فهي كنز يزخر بالمفاتن و يفيض بسحر الخيال و عجيب المجاز رقيق الحاشية مهذّب الجوانب رائع التصوير ، و أعجب ما في الأمر أن البدو كانوا هم سدنة هذه الذخائر و جهابذة النثر العربي جبلة و طبعاً ، و منهم استمد كل الشعراء ثرائهم اللغوي و عبقريتهم في القريض ‘‘ (4) فهذه حقيقة اللغة العربية من أفواه بعض المفكرين الغربيين و التي لا تدع مجال للشك في قوة هذه اللغة و صلاحيتها و قوة تحملها لأي مكان أو زمان.(5)
ويستخلص مما سبق ذكره سبب من أسباب نزول القرآن الكريم باللغة العربية ليكون معجزة رسول الله المصطفى صلى الله عليه و سلّم بين أقوم الناس في العربية ، و معجزة باقية لدين الإسلام ما بقي القرآن.(6) فالمتبحر في قوة اللغة العربية يعلم أن قوتها في الدين المرتبط بها و قوة الدين في هذه اللغة. فاللغة العربية هي أداة التشريع و الحُكم و التحليل و التحريم في الإسلام ، إذاً فالرابط هنا بين الإسلام و اللغة العربية رابط قوي جداً و بينهم علاقة طردية أكبر. فيصعب القول إن في انحطاط اللغة قوة للإسلام أو في ضعف الإسلام قوة للغة فهذا الأمر مرفوض تماماً لدى العقلاء من الناس و الحكماء. ولذا و ما لوجود هذا الرابط في الواقع المعاصر ، فإن ضعف شوكة المسلمين و تدني حضارتهم هو نتيجة مباشرة لضعف و تدني و انحطاط لغتهم العربية إلى مادون الصفر و بالتالي فإن ضعف اللغة العربية هو سبب رئيسي لضعف المسلمين في العالم الإسلامي خاصة و بين دول العالم العربي و الخارجي. إن يوما من الأيام و تحديداً في عصر صدر الإسلام و عند دعوة الرسول الكريم قريش للإسلام و قول كلمة التوحيد ’’ لا إله إلا الله ‘‘ كانوا يرفضون أشد الرفض لما كان لديهم من علم يقين بمحتوى هذه الكلمة و أبعادها و أثارها ، أو عندما يقرأ الصحابة آية من القرآن الكريم فيخرّوا سجّداً و بكيّا لتأثرهم الواقعي و الواضح و علمهم الواسع بمعنى الآية و قوتها و قوة أسلوبها حيث كان العِلم العربي عندهم في أقوى قوته. فأين المجتمع الحالي من نصف ما كانوا يعلمون و يعملون. ولا يمنع الذكر هنا عن الحديث النبوي الشريف فقد روي أن رجلاً لحّن بحضرته – صلوات الله و سلامه عليه – فقال – أي الرسول – : ’’ أرشدوا أخاكم فقد ضلّ ‘‘. (7)
إن مشكلة ضعف اللغة العربية منذ قديم الزمن تمثّلت في الاختلاط بين طبقات الشعوب العربية مع الشعوب الأعجمية من مختلف الأمصار. و كثرة وفود الأعاجم من مختلف الأمصار و ميلهم إلى الاستقرار في شبه الجزيرة العربية ، إذا فالمشكلة كانت منذ قديم الزمن على شكل تلحين في اللغة فلن يكون من الغلاء بالشيء إذا قيل إن جرثومة اللحن قد انتشرت فأعْدت الخاصة حتى صار الناس يعُّدون من لا يلحن في كلامه بالغريب في اللغة وهذا ما أيقظ النخوة العربية و أثار العصبية اللغوية في عصر الصدر الأول من الإسلام(8) ، ولمّا كان للفتوحات الإسلامية أثره الكبير في الاختلاط كانت كل فتح للمسلمين يصاحبه نوع من الدمار للغة العربية ، و لكن النخوة العربية آنذاك و العصبية اللغوية كانت لها أثرها في نفوس العلماء و الأدباء في التصدي لهذا النوع من الانحراف و التلحين اللغوي.
فالمشكلة بدأت منذ القِدم في التلحين إلى أن تطورت في العصر الحديث إلى عدة أنواع من التدني و الانحطاط منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- التلحين في الكلمات.
2- أعجمة العبارات.
3- تهجين اللغة بلغات أخرى.
4- الجهل بمفردات اللغة العربية و مصطلحاتها.
هذه بعض الأمور التي أدّت إلى تدني مستوى العربية في العصر الحديث مع وجود أسباب رئيسية يمكن ذكر بعض منها كالتالي :
1- عدم التصدي للانحرافات من قبل رجالات اللغة و علماء العربية.
2- الميل إلى اليسر و السهولة في كتابة الشعر العربي و التوجه إلى الشعر الشعبي.
3- البعد عن القرآن الكريم و تدبّر آياته و تفسيره.
4- صدور الكم الهائل من الدوريات و المجلاّت التي تعنى بالشعر الشعبي.
5- اختلاف طبقات المجتمع الواحد من أعاجم و عرب وهجين ما بين عربي و أعجمي.
إذا فالمشكلة العربية التي تواجه الأمة الإسلامية ليست مشكلة وليدة اليوم و الليلة و لكنها مشكلة قديمة ، تركها وعدم التصدي لها فتح المجال لها أن تتطور وتكبر لتصبح السيطرة عليها من الصعوبات العالمية التي تواجه المسلمين في كل مكان.
إن أهم حل من الحلول التي قد توضع في عين الاعتبار لكل قارئ لهذا المقال و كل غيور على اللغة العربية هي الشعور بالذنب و الندم للحال العربية الآن و تغير نية النفس الباطنة و تعزيز النفس بإمكانية التغيير و التطور نحو الأفضل في غضون فترة محدودة. إن تغيير النفس هو أولى مراحل التطور و الإصلاح حيث أن كلاً منّا مسئول عن اللغة العربية بأي كانت وسيلة ، ولذا فإن توحيد الهدف في الرقي باللغة هو أهم أهداف الإصلاح و التطور في العصر الحالي. وبعد هذا الحل تأتي بقية الحلول و التي من ضمنها :
1- التصدي للانحرافات و التداخلات الأجنبية المستشرقة من قِبل علماء الدين و اللغة و الدعاة و طلاب العلم وكل فرد غيور على اللغة العربية و الإسلام.
2- الرجوع إلى كتاب الله الكريم و كثرة قراءته.
3- المحاولة و بقوة في كتابة الشعر الفصيح بأي أنواعه و بحوره.
4- إبعاد طبقات المجتمع الغير واعي باللغة العربية عن أطفال العربية.
5- إصدار المطبوعات الدورية بشكل كبير و ثمن بخس لإغمار السوق بالشكل الصحيح للغة العربية.
6- إنشاء لجان تعنى بالعربية و الكتب العربية و وضعها بكاملها دون تنقيص فيها أو تحريف أو استثناء للسوق و بسعر يتناسب مع طبقات المجتمع.
إن بعضاً من المثقفين كانوا أو الإداريين لا يعلم مقدار الجهل باللغة العربية الذي وصل إليه المجتمع في العصر الحديث ، و كل اعتقادهم أن اللغة هي ليست إلا لغة لا تخدمهم في أعمالهم ، و لو علموا ما في اللغة من خدمة لهم و لأعمالهم لأتوها ولو حبواً.



  • المصادر





  • 1) أسامة الملاّ ، مهارات الاتصال (http://faculty.kfupm.edu.sa/ias/mullao)
    2) Kostaf Laobon, La Civilisation des Arabes, French copy, p-473
    3) المصدر السابق ص174
    4) إدريس الحسن العلمي ، اللغة العربية و أراء المفكرين (www.voiceofarabic.com)
    5) من بحث للأستاذ عبد العزيز بن عبد الله عضو أكاديمية المملكة المغربية و الأمين العام السابق للمكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي منشور في مجلة ’’ اللسان العربي ‘‘ بعنوان ’’ اللغة العربية و تحديات العصر ‘‘ بالعدد الصادر عام 1976م.
    6) محمد صالح الشنطيْ ، فن التحرير العربي ، الطبعة الخامسة 1422هـ ، دار الأندلس للنشر و التوزيع ، ص13
    7) فاضل فتحي والي ، النحو الوظيفي ، الطبعة الثانية 1417هـ ، دار الأندلس للنشر و التوزيع ، ص16

    عن مدونة عبدالكريم جبر 

    هناك تعليق واحد:

    1. اي شيئ يتعلق باللغه العربيه
      جميييييييييييييييييييييييييييل

      ردحذف